الأربعاء، 20 مايو 2009

قيم التسلط العربية.. على طريق إنتاج جيل ضعيف ومحبط

يتناول كتاب «السلطوية في التربية العربية» للدكتور يزيد السورطي بالتحليل والتوضيح، مشكلة تربوية عربية حقيقية هي السلطوية بأبعادها المختلفة، وزواياها المتعددة، ويُحدد أولا مظاهر السلطوية في طرق التدريس، والمناهج الدراسية، والتقويم التربوي، والإشراف التربوي، والإدارة التربوية، والإدارة الصفية، والعلاقة بين الطالب والمعلم، كما يسلط الضوء على مظاهر السلطوية المتمثلة في ضعف الحرية الأكاديمية، وشيوع الأمية والتمييز التربوي، والتسليع التربوي، واللفظية والماضوية في التربية. ثم تُبرز أهم نتائج السلطوية وآثارها، كإعادة إنتاج التسلط، وإضعاف النظام التعليمي، وتسهيل التغريب الثقافي والتربوي، وتفشي الاغتراب لدى الطلاب والمعلمين، وإعاقة الإبداع، وانتشار الملل.السلطوية التربوية والتعليمية في احدى خلاصات الكتاب تنتج جيلا ضعيفا ومحبطا لا يقوى على مواجهة المشكلات والتحديات التي تواجهه، فضلا عن عدم قدرته، على تحقيق المعجزات.الكتاب من سلسلة «عالم المعرفة» التي يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ويقدم عددا من الاقتراحات والتوصيات للتغلب على السلطوية التربوية، في محاولة للإسهام في القضاء على مشكلة صعبة تعيق تطوير التربية، وتقف حجر عثرة في طريق التنمية وبناء الإنسان في الوطن العربي، وهي ذات انعكاسات خطيرة على الفرد، وحياته، ومستقبله، وواقعه، وتعلمه، ومجتمعه. خنق الحرية لدى الطالب والمعلميؤكد المؤلف في كتابه ان التربية التي تقوم على العنف والتعسف والقهر والتسلط ومصادرة الحرية، هي اقصر الطرق لتحطيم الفرد وتدمير المجتمع، ويشير المؤلف الى تقرير التنمية العربية الرابع الذي جاء فيه ان التربية العربية تخنق الحرية لدى الطالب والمعلم في آن معا.واذا كانت التربية تسعى الى تفجير طاقات الفرد فان القهر يعمل على خنقها. وتهدف التربية الى بناء شخصية الانسان بشكل كامل وشامل ومتوازن، في حين ان الاضطهاد ينتج شخصية ضعيفة ومشوهة ومضطربة وغير متوازنة، وتضع التربية نصب الأعين اعداد الفرد المفكر والمبدع والمتفوق، اما الاستبداد فيؤدي الى تقويض مهارات الانسان وشل قدراته وتعطيل طاقاته والحد من ابداعه، لذا فأن الوعي بالسلطوية في الميدان التربوي خطوة مهمة نحو التخلص منها،وتحرير الفرد والمجتمع.ويدعو المؤلف الى مراجعة التربية العربية واعادة النظر فيها واخضاعها للفحص والتدقيق لزيادة جرعة الحرية فيها وتخليصها من القيود التي تكبل الطلاب، وتحد من حركتهم وتفكيرهم وتضعف روح المبادرة لديهم وتحريرها من كل اشكال التسلط والقهر والتعسف والعنف حتى تتمكن من خلق فرد قادر على مواجهة العصر وتحدياته.ويوضح المؤلف ان السلطوية ظاهرة تتفشى في كثير من النظم التربوية والتعليمية في الوطن العربي،فتعمل على الحد من كفايتها وفعاليتها، وتسهم في اعاقة تحقيقها اهدافها، فالجو الذي يسيطر على عدد كبير من المؤسسات التربوية العربية هو جو الكبت الفكري الذي يعمل على تعطيل طاقات النمو، ويؤدي احيانا الى رفض الطالب لتلك المؤسسات.والسلطوية الخضوع التام للسلطة ومبادئها بدلا عن التركيز على الحرية، او هي استخدام القوة لذات القوة، ومن صورها الشدة والعقاب، والقاء الاوامر، والتهديد، والتوبيخ والاحراج والعنف والتمييز والحرمان من الحقوق والفرض بالقوة ومصادرة الحركة، وعدم مراعاة انسانية الانسان. والتربية الحرة لاتتحقق الا في ظل وجود مجتمع متحرر من التسلط لانها ليست سوى نسق فرعي من النظم الاجتماعية تتأثر بها وتستجيب لها، وتؤثر فيها ايضا.البنية التقليدية تخشى القوى الابداعيةالسلطوية في التربية العربية في رأي الكاتب ظاهرة تربوية تمتد جذورها في البنية الاجتماعية العربية التقليدية التي تخشى اطلاق القوى الابداعية، وتنكرها، وتحاول كبتها وتشجع الانقياد والامتثال والاذعان والاتكال والتقليد والمحاكاة وتعمل على التكيف والاندماج ضمن البنى الاجتماعية القائمة بغض النظر عن سلبياتها والطلاب قطوف من شجرة مجتمعهم.فالمجتمع السلطوي كما تشير نتائج بعض الدراسات ينتج معلمين متسلطين كما ان المعلمين السلطويين يسهمون في انتاج طلاب سلطويين ايضا. ويتميز المجتمع العربي بشكل عام بوجود مؤسسات اجتماعية اولية كالعائلة والطائفة والقبيلة وغيرها، التي يغلب على طبيعة وتركيب كثير منها السلطوية التي تعتمد على مبدأ حصر السلطة وعدم السماح بمشاركة الاعضاء.مظاهر السلطويةفي الفصل الاول يدرج المؤلف التلقين أحد مظاهر التسلط في التربية بوصفه اداة تربوية تحصر الطالب في الحفظ والتذكر واعادة ما يسمعه من دون التعمق في المضامين واستقبال المعلومات وتخزينها من دون وعي، فيتحول الطالب الى اناء فارغ يصب فيه المعلم كلماته ويصبح التعليم نوعا من الايداع الطلاب فيه يكونون هم البنوك التي يقوم المعلمون بالايداع فيها كما يقول باولو فريري. او كما وصفه البعض حين اسماه بالمونلوج المنفرد الذي يبنى على الحديث من طرف واحد فقط هو المعلم. واتهم الملقنين بأنهم يلغون كيان الفرد ولا ينمون عقله ويضعفون انسانيته.وتناول يزيد السورطي الجانب الاداري من خلال عرضه لعملية الاشراف التربوي التي قال عنها انها عملية سلطوية مزاجية تفتيشية تهدف الى تخويف المعلم واحراجه واظهار نقاط ضعفه، من دون بذل جهد كبير لمساعدته على التغلب على ما يواجهه من مشاكل تربوية وتعليمية، فيتحول المعلم الى تلميذ، ويصبح المشرف التربوي معلما تقليديا سلطويا يلقن ويعاقب من يشاء بطريقة عشوائية في احيان كثيرة، بدلا من اقامة تفاعل بين المعلم والمشرف يؤدي الى تغيير ايجابي في سلوك المعلم، اذ يشعر المعلم انه تلميذ صغير يتعلم على يد استاذه المشرف.. فيخشى المعلم المشرف ولا يتحمس لزيارته، حتى وصفت العلاقة بينهما بانها نوع من الحرب الباردة، اذ لايثق اي طرف بالطرف الاخر وكل منهما مقتنع بصواب موقفه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق