الأربعاء، 20 مايو 2009

الكرسي ومغرياته: حلم الانسان الدائم


تدفع الطبيعة البشرية بالانسان الى الحلم دائما في التسلق الى أعلى، وصولا الى الكرسي لكي يمارس سلطاته على الآخرين، فيجد في ذلك تحقيقا لذاته حتى لو كان هذا الفعل قد تحقق على حساب الآخرين، وهذا في الغالب هو لب الصراع بين الانسان ونفسه،ولعل تعاليم ومبادئ الاديان والاخلاق والمواعظ جاءت وتبلورت لكي تنظم العلاقة بين الانسان ورغبته في أن يتبوّأ مركزا ما ليمارس من خلاله نزعة التسلط على الآخرين.
واذا كانت الحياة البشرية وطبيعة التجمعات او الشعوب تتطلب مثل هذه السلطات لتنظيم حياة الجماعة، فإن الخطر يكمن في اختلال التوازن بين حدود ممارسة السلطة ورغبة النفس (الغريزية) في التسلط على الآخرين، أي اذا غاب هذا التوازن سيحدث اختلال يتمثل في جانبين هما:
الأول: تضخّم السلطة والذات معا.
الثاني: ضعف الذات والسلطة معا.
فلو حدث الجانب الاول سيتحول الانسان الى (طاغية) ولو حدث الجانب الثاني سيفشل الانسان في ادارة مركزه الوظيفي أيّا كان نوعه وذلك لضعفه وضعف استخدامه لصلاحياته في مجال عمله.
إذن هي موازنة صعبة ودقيقة تحكمها قدرات الانسان في التحكم بذاته اولا، وذلك بتحصين النفس من الزلل والانخراط في مهاوي الرغبات الجسدية، ومعرفة قدراته ايضا والسيطرة عليها، إذ غالبا ما يفقد الانسان التحكم بذاته عندما يجد نفسه جالسا على الكرسي الذي سيصيبه بسحر غريب يسميه البعض (سحر السلطة).
وقد حدثني أحدهم في هذا المجال عن احد احلامه الكثيرة قائلا:
مع تدفق موجات الغبار المتلاحقة وانقطاع الكهرباء ولهيب الإنحباس الحراري يغدو النوم صعبا إنْ لم يكن مستحيلا لكنني غالبا ما أغفو بعد الفجر فتبدأ الأحلام كعادتها تنقض على رأسي وكياني كله بلا رأفة أو شفقة ولأنني عضو فاعل في (جمعية الأحلام المؤجلة) فسرعان ما أحيل كل الأحلام التي تهاجمني في غفوتي القصيرة الي خزين المنظمة التي ذكرتها قبل قليل وهذه هي الطريقة الوحيدة التي أستطيع من خلالها القضاء على آلام الأحلام وتكالبها المستمر على رأسي.
وذات ليلة ليست بعيدة من الآن هاجمني حلم عنيد لم أستطع تأجيله أو كبح جماحه حتى تحول الى حقيقة لا تقبل الدحض، لقد رأيت أحد أصدقائي القدامى وقد تربع على قمة الهرم الإداري والسلطوي لإحدى المناطق الإدارية الكبيرة في البلد، وأصبح سلطانا ما بين ليلة وضحاها، وعلى الفور تذكرت تلك الخصال الجميلة التي كان يتحلى بها وذلك النقاء الأصيل الذي يتمتع به وحالة الفقر المادي التي كلما حاصرته إرتفع عليها بغناه الروحي وأدبه وصفاته التي كانت ترفعه الى مصاف الزاهدين العظماء).
ويواصل الرجل سرد حلمه قائلا:
(بدأ المشهد في إحدى القاعات الكبيرة التي غصت بالجمهور المحتشد والمتشكل من كل الألوان والأجناس بإحتفال مهيب في إحدى المناسبات الوطنية، لقد لحظت حالة من الترقب عند الجميع قبل أن يصل صديقي الى القاعة، وقبل دخوله حدثت ضجة قد تكون مفتعلة ودخل عدد من الحراس من أبواب عدة ومعهم معدات المراقبة والتحسب للطوارئ وقد طغى الصمت على الناس وسادت رهبة مباغتة اجواء القاعة، وها هو صديقي يدخل محاطا بهالة من الأجساد التي تلتف حوله وتكاد ترفعه عن الأرض حبا وتقربا لشخصه الذي بدا لي يختلف كثيرا عن ذلك الصديق الذي يتمتع بطيبة لا تتمتع بها حتى الأمهات، لقد كانت خطواته تشي بأنه لا يشبه ذلك الصديق القديم وقد تأكدتُ من ذلك عندما زاغ بعينيه بعيدا عني حينما لوحتُ له بفرح وقلت لنفسي إنه سيدعوني إليه حتما، جلس صديقي على عرشه في المقدمة وسرعان ما تدفقت عليه المرطبات والعصائر والحلوى وباقات الورد وغيرها من الهدايا الفائضة عن الحاجة، وتدفقت عليه وجوه المدينة لتحييه أيضا، لقد راودني شعور بأن صديقي لم يعد كما كان وإن سحر السلطة الغامض قد تسلل الى خصاله وأفقده تلك الأخلاق التي رفعته الى مصاف الكائنات الراقية وقد تأكد لي ذلك عندما انهالت عليه كلمات المدح وقصائد التبجيل وهو يوحي للآخرين بالمزيد من خلال استحسانه الواضح للكلمات والقصائد التي قيلت في شخصه).
ويضيف هذا الرجل الحالم:
(لقد امتعضتُ كثيرا من هذا السلوك الغريب الذي هيمن على صديقي وقد ذممته كثيرا، وكنت أتوقع انه سوف ينهي هذه المهازل ليقضي على ظاهرة قديمة جديدة أسمها التملق وتضخيم الذات ولتبدأ مفردات الإحتفال المفيدة للحاضرين وفي غمرة تذمري منه رأيت وجهه وقد استدار الى الخلف يتطلع في وجوه الجمهور باحثا عن شخص ما وما أنْ وقعت عيناه على وجهي حتى نهض من مكانه وأشار لي بأنْ أقترب منه وأصل اليه وقد فاجأني سلوكه هذا وفكرتُ أنْ ارفض دعوته غير انني رأيت القامات الكثيرة التي تحرسه وتخدمه فخفت من عواقب الرفض ونهضت متثاقلا ووصلت اليه فضمني أمام الجمع الى صدره وأجلسني جنبه وأمر لي بالعصائر والحلوى والهدايا وشيئا فشيئا بدأتُ أشعر بمحاسنه وأخلاقه العالية ووفائه النادر ثم همس في اذني وقال بأنك من الآن فصاعدا ستكون ساعدي الأيمن في كل شيء، وبدأتْ قصائد المدح بحقه تتألق في ذائقتي وتبدو أجمل وأجزل قصائد العرب، أما كلمات الإعجاب والمدح والتبجيل فإنها برغم قوتها لكنها بدت لي ضعيفة وركيكة ولم تصل الى مقام صديقي أبدا، ثم فاجأني أحدهم بقصيدة مدح وتبجيل لشخصي، لقد كان وقعها كبيرا في نفسي، وتلتها كلمات إعجاب بحقي وسرعان ما بدأتُ أفكر بالطريقة المثلى التي أزيح بها صديقي عن كرسيّه واحتل عرشه واتمتع بالمزايا الكثيرة التي يتمتع بها ثم شعرت بذاتي تتضخم رويدا وبدأت أرى الناس من حولي كائنات صغيرة لا تستحق الإنتباه).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق