الأربعاء، 20 مايو 2009

دوام عمداء الكليات ورؤساء الأقسام في جامعة الملك سعود

الذين يشغلون مناصب إدارية في الجامعة كعمداء الكليات ووكلائهم ورؤساء الأقسام هم في الغالب أساتذة أكاديميون متخصصون في حقول علمية دقيقة، يكلّفون بالقيام بتلك المهام الإدارية لفترات محدودة في الغالب ولفترات غير محدودة في حالات نادرة.
والحقيقة أن هؤلاء الأساتذة الأفاضل معدّون إعدادًا علميًا في تخصصاتهم لكي يخدموا الجامعة بعلمهم وخبرتهم التي اكتسبوها في تخصصاتهم الدقيقة وأفنوا فيها شطرًا من عمرهم بالبحث والدراسة. ومن المفيد أن تسند إليهم بعض الأعباء الإدارية التي تهيئ للجامعة الاستفادة من خبرتهم ومعرفتهم، ولكن الأعمال الإدارية المتلاحقة وخاصة إذا زادت الخدمة الإدارية عن سنتين فإنها تختطفهم من تخصصاتهم وربما تبعدهم عن اهتماماتهم البحثية وتجعلهم تحت وطأة الروتين الإداري اليومي.
وبقدر ما تكسب الجامعة كفاءة إدارية جيدة في حال كون العميد أو رئيس القسم متميزًا، فإنها مع ذلك تخسر كفاءة أكاديمية علمية متخصصة في مجالها. أما الذين يحرصون على تلك المناصب ويكاد أحدهم يموت لو لم يرشح أو لم يمدد له، فهؤلاء يفهمون دورهم فقط من خلال التسلط والتحكّم في القرارات التي يملكونها. ولكن الجميل في الأمر أن هؤلاء قلة يتلاشون مع مرور الزمن، أما الأغلبية فهم العاملون الجادون الذين لايبحثون عن التكسب ولا التسلط.
وبمتابعة جدول أعمال بعض العمداء ورؤساء الأقسام اليومية، نجدها حافلة بالعمل الذي قد لايسعه دوام يوم كامل، ولكن بعض تلك الأعمال روتينية أو بيروقراطية ويمكن أن يؤديها شخص آخر أو ربما لاضرورة لها في الأصل. وبمعرفتي ببعض الأساتذة الكرام من العمداء وبجلوسي عند بعض رؤساء الأقسام لاحظت أن جزءًا ليس بسيطًا من وقتهم يفنى في توقيعات ربما لاداعي لها، أو في تعبئة بيانات موجودة أو التأشير على فورمات تسجيل الطلاب وغيرها من الأعباء التي يمكن أن تؤدّى دون الحاجة لتوقيع العميد أو رئيس القسم.
على سبيل المثال، كشف الدرجات الذي يعبأ من أستاذ المقرر، لابد أن يوقّع على كل صفحة فيه رئيس القسم، وبالمثل يفعل عميد الكلية، ثم مدخل البيانات في الكمبيوتر. في حين أنه يمكن الاستغناء عن هذه السلسلة من الأعباء بأن يُدخل مدرس المقرر الدرجات مباشرة في الكمبيوتر، وهو ما كنت أتّبعه حينما كنت مدرسًا لبعض المقررات في جامعة إنديانا. وإدخال مدرس المقرر الدرجات مباشرة أدعى للدقة ويقضي على إجراءات ليس لها أهمية. أعرف أن أحد رؤساء الأقسام الأفاضل وهو الدكتور صالح معيض الغامدي اضطر للبقاء في القسم لتوقيع النتائج حرصًا منه على إنجاز العمل في وقته رغم ما يمر به من عزاء بسبب وفاة شقيقه رحمه الله، لأن الدرجات لن ينظر فيها إلا بعد توقيع رئيس القسم ثم العميد.
وحينما تتحدث مع بعض الرؤساء والعمداء السابقين، تجدهم يشعرون بتقصيرهم في المجال البحثي في تخصصاتهم بسبب أن جل وقتهم قد ذهب في الإجراءات الإدارية التي ربما لايحتاج أكثرها إلا إلى موظف مدرّب.
ومن هنا فإنه يمكن أن نستفيد من خبرة الأساتذة الأكاديميين ومن علمهم في مجال الإدارة دون أن نخسر عطاءهم البحثي، بمثل ما هو متّبع في عدد من الجامعات العالمية المتميّزة. فالعميد ورئيس القسم لا ينبغي أن يداوم كالموظفين، بل يحضر في أيام محددة وفي ساعات معروفة. وهذا الجدول يعرفه السكرتير ويُجدول أعمال العميد أو الرئيس ويحدد مقابلات الناس بناء على أوقات حضوره، على أن تكون للأمور التي لا يبتّ فيها سواه. أما الإجراءات الإدارية فيجب أن يقلل منها عن طريق استخدام الإنترنت والإيميل ويتولاها السكرتير أو أعضاء اللجان المتخصصة.
فالعمداء ورؤساء الأقسام في الجامعات التي عرفتها في أمريكا يدرّسون موادهم التخصصية، ويحضرون المؤتمرات ويشاركون في أوراق البحث، وفي الوقت نفسه يداومون (أو يخدمون) في مكاتبهم الإدارية يومين في الأسبوع أو يومًا ونصف فقط. وبهذا يبقى عضو هيئة التدريس على اتصال بتخصصه وبأبحاثه وبطلابه دون أن ينغمس في إجراءات ورقية روتينية لا نهاية لها. ويبقى منصب العميد ورئيس القسم مهمة إدارية لتيسير الإجراءات وتسهيلها على اعتبار أن صلاحية أغلب الإجراءات الإدارية موزعة، وبهذا لا ينظر إلى الرئيس أو العميد على أنه سلطة مطلقة لأن التسلط لا يتناسب مع العمل الأكاديمي ولا يليق بالجهات العلمية، وإنما يقتصر دوره على إعداد التصوّرات الكليّة للعمل وبناء الخطط العلمية واقتراح البرامج التطويرية وتشجيع الباحثين ورسم المشروعات الكبرى للنهوض بقسمه أو كليته، وليس فقط إهدار وقته في التأشير على النماذج والتوقيع على الخطابات.
هذا اقتراح يهدف إلى الاستفادة من كل كادر متميز في جامعة الملك سعود وفي غيرها من الجامعات، وقد خصصت هذه الجامعة لأنها الأقدر من سواها - في ظل إدارتها الحالية - على الأخذ بالمقترحات المفيدة التي تتماشى مع توجّهات التطوير والنهضة التي تشهدها الجامعة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق