الأربعاء، 20 مايو 2009

سيكلوجية التسلّط!!..

تختلف طبائع الناس وسلوكياتهم باختلاف العوامل المكونة لشخصية كل منهم؛ كالصفات الوراثية، والبيئية، ودرجة التعليم، وما إلى ذلك..ولكن لعلّ أكبر موجّه ومؤثر على سلوك الشخص - حتى في ظل اعتبارنا للعوامل السابقة - هو معرفته بطبيعة تصرفاته وسلوكه، أو احساسه بما يصدر عنه، إضافة إلى اهتمامه بما يحدثه التصرّف من ردّات فعل من قبل الآخرين.فما دامت التصّرفات الاجتماعية الصادرة عن أي شخص تؤثر على شخص آخر فلا بد من اعتبار ردّة فعل ذلك الطرف..والمجتمع حولك عزيزي القارئ يعتبر مقياسا لسلوكك الاجتماعي بصفة عامة؛ دون الدخول في تفاصيل من قبيل ما إذا كان ذلك المجتمع أهلا لتقييم السلوك أو لا!!..وبما أن الإسلام قد جاء ليتمم مكارم الأخلاق وفضائلها فيعلم من ذلك أن تلك المكارم كانت موجودة قبل الإسلام.. ومجتمعنا بصفة عامة تكثر فيه المكارم، إضافة إلى كونه مجتمعا مسلما.. أيْ إن المكارم فيه تأخذ طابعها الديني الحضاري..فإذا كان الأمر كذلك فماذا تعني سايكلوجية التسلّط؟!..أقول: إن المكارم والقيم السائدة في المجتمع كثيرا ما تفسدها تصرفات الأشخاص الذين يكوّنون هذا المجتمع، أو بعضهم على الأقل.. فالأشخاص ذوو النفسيات المتسلّطة (الفظّة) يفسدون في الأرض أكثر مما يصلحون؛ في الوقت الذي يرون فيه أنفسهم مصلحين كبارا؛ خاصة إذا ما تدثّروا بإحدى الميزات الاجتماعية، أو لأكثر!!.فالشخصية المتسلطة بطبعها تود أن تفرض وجودها بطريقة أشبه ما تكون بالسلوك الأمريكي المعاصر.. فإذا ما حصلت مثل هذه الشخصية على أية ميزة اجتماعية فإنها تسقط كل مخزونها من التسلط - بكل مخزونها من الفظاظة والغلظة - على الطبقة أو الفئة التي تمتاز عليها بتلك الميزة الاجتماعية..ولأفصّل أكثر:تسلط مدرسي: لعلك تذكر أخي القارئ من مر عليك من المعلمين القساة الذين لا يعرفون للرحمة معنى، ولا للرفق سبيلا.. ولعلك وقفت حينها تسائل نفسك عن السبب أو الأسباب التي تجعل الأستاذ الفلاني ملكا للرفق والرحمة والسمو، وتجعل الآخر من الفظاظة بحيث يحيل المدرسة إلى جهنم الدنيا؟!..فإذا تذكرت معي بعضا من تلك المشاهد فإنني أعود إلى القول بأن مثل ذلك المعلم الفظ لم يصبح كذلك بعد أن عمل في التدريس، ولكنه كان كذلك.. لكن المشكلة ليست في أنه كان فظاّ؛ وإنما المشكلة تكمن في إسقاط تلك الفظاظة والغلظة على من يفترض أن يتلقوا منه سلوكا راشدا، ويتعلموا منه قيما رفيعة!!..والأعجب من ذلك أن كل تلك الفظاظة – وهي سلوك خاطئ – يتم تغليفها بما يسمى بمكانة المعلم (من علمك حرفا صرت له عبدا).. ومن ثم إضافتها إلى مخزوننا من القصص (التربوية)!! التي تحكي عن زمان كان التلاميذ فيه يتركون الطريق للمعلم، ويخافونه كخوف الناس من (أنفلونزا الطيور)!!.وأرجو أن يفهم كلامي على وجهه!!.. فما يؤرقني أخي القارئ ليس السلوك الخاطئ، أو الأخطاء التي تقع من أي شخص كان، ولكن المؤلم حقا هو تغليف تلك الأخطاء، وتأطيرها، وتبريرها بما يعطي المخطئ حصانة اجتماعية تدفعه للمزيد من ارتكاب الأخطاء واللامبالاة..تسلّط أسري: ولنأخذ مثلا الزوج في الأسرة؛ سواء كان زوجا فقط، أو كان أبا كذلك.. فكثيرا ما تسمع الرجل يشتكي من زوجته حينا، ومن عقوق أبنائه أحيانا أخرى، لكن قليلا ما تسمع عن محاسبته لنفسه، أو (شجبها على الأقل)..ومثل هذه الشكوى عادة ما تصدر من شخص يحمل بين أضلاعه نفسا تحب أن تطاع فلا تعصى، وتقول فلا يرد قولها، وتأمر فيستجاب لها.. ولكن ما يفوت على مثل هذه الشخصية أن السلوك يورّث، والطبع يعدي؛ فإذا ما أكثرت من التعامل بتلك النفسية انتقل الطبع تلقائيا إلى الزوجة والأبناء؛ وبالتالي تتصادم النفسيتان المتماثلتان في الغلظة والفظاظة!!.. وها هنا (تتنافر الأقطاب المتشابهة)؛ وليس دائماً!!.تسلط مستمر: ضربت مثلين بالمدرسة والأسرة لأنهما أهم المحاضن التي تقدم الأفراد للمجتمع؛ فإذا ما أخرج هذا الفرد للمجتمع الكبير وقد تلقى من دروس التسلط والفظاظة ما تلقي حينها لا يلام بقدر ما يلام من كوّنوا شخصيته تلك (لا يبدأ الباني بطلي السقف قبل وضع أساس البناء)..فعندما يصبح ذلك الشخص موظفاً؛ فإنه سيعامل زملاءه بتلك النفسية.وعندما يسكن مع آخرين - سواء في داخلية، أو بيت مستأجر - فإنه سيتصرف بنفس ذلك السلوك.وعندما يصبح من أهل الدعوة والإصلاح فإنه يحتفظ بنفسيته تلك، ويسقطها على غيره خلال تقديمه للنصح والإرشاد؛ فيسيئ إلى مفهوم النصح؛ فضلا عن أن يحقق نصحه أثرا!!..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق