الأربعاء، 20 مايو 2009

الهدر المالي سجل مفتوح

يفهم البعض أن التعدي فقط على المال العام هو إما بشكل غير مباشر بالرشوة أو العمولات والهدايا أو بشكل مباشر من خلال السطو على البنود دون رقيب .لكنْ هناك تعدّ على المال العام يتم عبر نافذين داخل مكتب وزير أو نائب للوزير أو مساعديه أو وكيل الوزارة أو مديري العموم للمالية والإدارية من خلال أولاً: الانتدابات السنوية المقننة في النظام أو المفتوحة.. وثانياً: خارج الدوام المشمول بالإجازات الرسمية.
ثالثاً: استغلال المرافق الحكومية وتجهيزاتها، ورابعاً الاستفادة من ممتلكات الدولة من سيارات وصيانة وغيرها.
وأحد هذه المظاهر ما نلاحظه أيام الصيف حيث تنشط فعاليتان هما المؤتمرات والندوات الدولية وأيضاً الدورات التدريبية علماً أن جميع دول العالم توقف معظم نشاطها في فترة الصيف ونحن هنا ننشط الدورات والمؤتمرات الوهمية بهدف السفر المشمول بالتذاكر والانتداب والإقامة على حساب قطاعات الدولة ورغم ذلك يجدون مبرراً لهذا السلوك بضرورة الاتصال بالعالم والاطلاع على آخر الأساليب والتقنيات الإدارية و الفنية.
هناك نوع من الهدر غير المبرر في الانتدابات المفتوحة وخارج الدوام غير العادل والدورات فتجد أن بعض المسؤولين يفتعلون المناسبات ولهم موظفون متخصصون في خلق مثل هذه المناسبات داخلياً وخارجياً وهذا لا ينعكس سلباً على إنجازية العمل حيث تتراكم المعاملات والمشاريع على طاولة المسؤول إنما أيضاً بالهدر المالي عبر التعدي على البنود إما باستنزاف هذا البند أو تغذيته من بنود أخرى من أجل أن يستمتع المسؤول هو وفريق عمله في السفر الخارجي وهذا كله يحمل على ميزانية القطاع.
بالتأكيد إنه تعدّ واضح على المال العام وهدر غير مبرر للميزانيات وتعطيل مصالح المراجعين فهل بالضرورة أن يختلق المسؤول مناسبات هرباً من المسؤوليات في داخل قطاعه.. فنحن في مرحلة إنجاز وأجهزتنا تحتاج إلى مسؤول منجز وصاحب قرار أما مراكمة المعاملة والمشاريع وتعطيل مصالح الآخرين فهو أسلوب يجر إلى التذمر والهياج عند المراجعين.. وقطاع الخدمات تحديداً بحاجة إلى مسؤولين منجزين لأنه يرتبط بالحالة النفسية العامة ومرتبط بالاستقرار النفسي والمادي للمجتمع ووجود مسؤولين غير مبالين يتحول الصيف إلى متع شخصية لهم ولأقاربهم وأصدقائهم المشمولين بعطفهم الوظيفي وتقديم الذات الشخصية على مصالح الوطن العليا واستغلال واضح لغياب الرقيب الإداري والمالي فهذا استفزاز للموظفين الجادين الذين يرون الاستثناءات والتجاوزات من حولهم وخاصة المتنفذين مالياً وإدارياً في القطاع دون أن يكون لهم من تلك العدالة الإدارية نصيب، فإن هذا سيؤدي إلى نشوء فئة متنفذة تتحدث بسلطة المسؤول وفئة ممتعضة ومتذمرة ومقموعة ليس لديها قدرة على وقف التجاوزات سوى إنكار تلك التصرفات والاعتراض عليها في الدواخل في نطاق مكاتب القطاع أو التنفيس عبر شبكة الانترنت والجوالات الهاتفية والمجالس الخاصة والاستراحات..
نحن لا نريد أن نصل إلى هذا التشاحن داخل الإدارات ومكاتب المسؤولين والانقسام إلى فئتين فئة مستفيدة ومتنفذة وأخرى مغتاظة ومتذمرة وما ينتج عن تلك من انعكاسات سلبية على أداء العمل.. لذا من الضروري أن نوجد نوعاً من العدالة الإدارية ونقوي الأجهزة الرقابية المالية والإدارية واعطاء هيبة كبرى للمال العام الذي يستسهله الكثير من المتنفذين ويعتقد أن هذا من حقه وحق ابنائه وأقاربه وأصدقائه وأن ما يقوم به هو مكافأة من الدولة لقبوله بهذا المنصف وكأن شخصه نعمة عظيمة على هذا المجتمع.. لذا على الأجهزة أن تكافئه على تفضله بأداء هذا العمل.
هناك شعور كبرياء من البعض على وطنه ومجتمعه يعتقد أنه إحدى العطايا التي جاد بها الزمن وأنه (فلتة) ومعجزة.. لذا لابد أن يكافأ بالميزانيات المفتوحة والبنود المفتوحة والموافقات المفتوحة.
بلدنا والحمد لله غنية برجالها ونسائها وشبابها المؤهلين إدارياً وأكاديمياً ومهنياً لإدارة القطاعات ولديهم حب عظيم لهذه البلاد وقيادتها ولديها انتماء وطني غامر وولاء لهذه القيادة وتاريخ بلادها وهي بإذن الله محصنة بالدين الذي يحميها من التطاول على المال العام ولديها قيم أخلاقية وضمير إنساني.
وبلدنا لم تصل إلى العقم والتجفيف وانقطاع نسل المؤهلين والمخلصين حتى يشعر البعض بأنهم هبة من الله لهذه البلاد ويشعرون بالمنة على تبوئهم لهذه المناصب ويرون أن استغلال المال العام مشروع ومباح لهم ونوع من المكافأة لقبولهم بالمناصب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق