الأربعاء، 20 مايو 2009

الاتجاهات المعاصرة في القيادة الإدارية

لقد نشأت فكرة الإدارة التربوية كميدان من ميادين المعرفة أو مهنة من المهن لها قواعد معروفة وأصول ثابتة في نهاية القرن التاسع عشر حينما توسعت متطلبات العمل المدرسي وازدادت مسئولياته، فلم يظهر قبل هذا التاريخ كتابات أو بحوث متخصصة في هذا المجال بل كانت مجرد ملاحظات وأفكار عامة بسيطة وغير متخصصة ساعدت على وضع اللبنات الأولى لهذا الميـدان فيما بعد. ثم أخذ هذا المفهوم يتطور تطوراً سريعاً معتمداً على تطور مفاهيم إدارة الأعمال والصناعة من جهة، وتوافر العديد من الدراسات التربوية من جهة أخرى، فضلا عن تأثره بالحركة العلمية للإدارة التي ظهرت في أواخر القرن التاسع عشر، فقد قام فريدريك تايلور F.Taylor بدراسة كفاءة الأداء وتوفير الجهد المبذول في العمل الجسمي.. واستطاع أن يتوصل إلى مجموعة من المبادئ تتعلق بالزمن ومعدل العمل، وفصل التخطيط عن التنفيذ والرقابة... إلى غير ذلك من المبادئ التي شكلت المفاهيم الأولى لوظائف الإدارة، وقد انعكس هذا الاتجاه على مفهوم الإدارة التربوية التي اتخذت لنفسها إطاراً نظرياً مشابها لما هو في ميدان الصناعة، حيث اعتبرت الآلة هي المؤسسة التعليمية (المدرسة) التي لها حجم أو سعة معينة هي العناصر التي تخدمها هذه المؤسسة (التلاميذ)، ولها نظام أو عملية إنتاجية هي العملية التعليمية، ولها كمية منتجة هي عائد الجهود التربوية والمتمثلة في الخريجين.
كما تأثرت بالمفاهيم النفسية والتربوية الحديثة كأفكار"جون ديوي"و"كلباترك"التي كانت تؤكد في مجملها على شخصية الطفل وحاجاته ورغباته وتشجيعه على التعبير الذاتي والإبداعي، واتضح هذا التأثير في تغيير مفهوم الإدارة التربوية لتتواكب مع خصائص المدرسة الحديثة وحاجاتها، وقد اتجهت الإدارة التربوية إلى ممارسة المبادئ الديمقراطية في العمل المدرسي والتعليمي ككل، وفي التعامل وفي التفكير والعلاقات الإنسانية بحيث أصبح مدير المدرسة تدريجياً – باعتباره القائد المهني لمدرسته - عنصراً إيجابياُ وفاعلاً يشارك ويتعاون مع جميع العاملين لتحقيق الأهداف التربوية المنشودة.
ومع تطور مفهوم الإدارة في الثلاثينيات متأثراً بأعمال"ميونستربرج" Munsterberg عن التعب الجسمي، ودراسات"فرويد" Freud عن اللاشعور، وبحوث"كانون"Cannon عن فسيولوجيا العواطف أو الانفعال، وجهود"برنس"Prince في انحلال وتكامل الشخصية، وغيرهم من الرواد الذين حاولوا اكتشاف آفاق جديدة للمشكلات الإنسانية. وكان أهم مجالات الإدارة التي تأثرت بهذه الدراسات والبحوث، هو ميدان التنظيم Organization الذي يمثل تعبير عن القوى الإنسانية والاجتماعية في استجابتها للحاجات اللاشعورية والدوافع النفسية الغامضة المعقدة بل والمتعارضة، ولذلك كان ينظر إلى مشكلات التنظيم على أنها مظاهر مرضية إنسانية واجتماعية، وأصبحت مجالات العلاقات الإنسانية تكون أو تشكل المعرفة الرئيسية للإدارة، بل وتهتم بفهم وتحسين العوامل الإنسانية والعلاقات التي تحكم التنظيم الإداري. وبذلك أضيفت أبعاداً جديدة للإدارة منها مفهوم الإدارة الديمقراطية وإعطاء أهمية كبرى للجوانب الإنسانية في العملية الإدارية، ومن أهم الجهود المبكرة في هذا المجال الدراسات التي قامت بها ماري باركر فوليت Mary Parker Follett، وإلتون مايوElton Mayo الذي قام مع بعض زملائه بعدد من التجارب الميدانية المتصلة بالعلاقات الإنسانية في الإدارة.
وهكذا، فقد اعتبرت هذه العلاقات أساساً مهماً في نجاح عمل المدرسة وتحقيق أهدافها التربوية. وأصبح على المدير – بعد شيوع هذا المفهوم"مفهوم العلاقات الإنسانية"وانعكاسه على جملة الأعمال في المؤسسات الاجتماعية – أن يدرك أن توطيد العلاقات الإنسانية بين العاملين في المدرسة يتطلب نوعاً من الحكمة نتيجة للقيادة الرشيدة والعمل الجماعي بدلاً من الإكراه والتسلط أو التحكم.
فالعلاقات الإنسانية الطيبة الناتجة عن تعاون الجميع ومشاركتهم في الرأي تؤدي إلى حل المشكلات القائمة حلاً مناسباً لأنها تفسح المجال لكل عضو أن يبدي رأيه وملاحظاته حول المشكلة المطروحة، وبالتالي يوجد اتفاق عام حول تلك المشكلة وكيفية معالجتها. يضاف إلى ذلك أن تدعيم العلاقات الإنسانية في أي منظمة من المنظمات، يتطلب طرائق ومهارات ووسائل خاصة على المدير أن يتدرب عليها ويحسن تطبيقها بلباقة ومهارة. فالمدير من منطلق عمله الوظيفي وما لديه من سلطات لاتخاذ القرارات – هو فرد من مجموعة أفراد المجتمع المدرسي – عليه أن يدرك أهمية توطيد العلاقات الإنسانية بين العاملين معه حتى يتحقق التعاون المشترك بينهم وتتحقق الأهداف التربوية المنشودة.
وقد اتجهت الإدارة التربوية اتجاهاً جديداً، وصار ينظر إليها على أنها عمل تعاوني مشترك يقوم به العاملون فيها بغرض مصلحة الجماعة وخير المجموع، وأصبحت المهمة الأساسية لمدير المدرسة هي إشراك العاملين معه في التوصل إلى وضع أهداف المدرسة ورسم الخطط لتنظيم العمل فيها تحقيقاً لتلك الأهداف.
يتضح مما سبق مدى تأثر الإدارة التربوية بمجموعة من التيارات الفكرية والعلمية والتربوية والاجتماعية والنفسية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق