الأربعاء، 20 مايو 2009

نصرة المظلوم .. ديوان المظالم أنموذجاً

حرّم الله عز وجل الظلم، وجعله محرماً بين عباده، فالظلم ظلماتٌ يوم القيامة، ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، فالظلم مذمومٌ لدى جميع البشر بمختلف أجناسهم ودياناتهم ومعتقداتهم، حرّمه الله جل وعلا ونزّه نفسه عنه، وكرّهه إلى المخلوقين، وجعل عاقبته وخيمة في الدنيا والآخرة.
والمجتمعات الإنسانية مدنية بطبعها لا يمكنها القيام بمصالحها إلا من خلال الاجتماع والتنظيم والولاية، ولذا كان لهذا الاجتماع أثرٌ واضح على المصالح الخاصة في بعض الأحيان، كما أن للولاية الممنوحة للأفراد من أجل أن يقوموا بشأن المجتمع وحاجات أفراده ومتطلباتهم قد تزيغ إرادتهم في بعض الأحيان لجهلٍ أو هوى أو قصور فهم، ولهم من الصلاحية والقوة التي منحها لهم المجتمع ما يتسبب في ضعف وإحجام المتضرر من هذه القرارات الصادرة منهم، والاعتقاد بحجيتها واكتسابها الصفة القطعية، وعدم القدرة على التظلم منها، مما اقتضى من تلك المجتمعات تنظيم هذه الاختصاصات الممنوحة للمسئولين في المجتمعات المدنية ووضع الضوابط لتلك السلطات والصلاحيات بما يحفظ المصلحة العامة للمجتمع دون ظلم يقع على الأفراد، وإسناد الفصل والقضاء في ذلك التنازع إلى قضاءٍ مستقل، له من الهيبة والسلطة والنفاذ ما يمكنه من إنصاف المظلوم وردع الظالم وحفظ المصالح ودرء المظالم .
والمملكة العربية السعودية باتخاذها كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم دستوراً لها، فقد أرست قواعد العدل في ربوعها، لمواطنيها ولغيرهم من المقيمين على أراضيها؛ فمنذ أن نشأت على يد المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - رحمه الله - والذي جعل النظر في المظالم من أولى اهتماماته، مقتدياً بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم وبسيرة خلفائه الراشدين الذين كانوا يحاسبون الولاة، وينصفون الرعية مما أخطأ عليهم فيه ولاتهم، ويتحققون من كل شكوى ترفع إليهم من المظلومين على مَنء ظلمهم؛ فاقتدت حكومة هذه البلاد المباركة بهذا النهج الإسلامي القويم الذي ترتسم فيه أبهى صور العدالة، وتتضح فيه معاني المساواة والإنصاف؛ فكان النظر في المظالم من أولى اهتمامات قادة هذه البلاد، وذلك حين نص نظام شعب مجلس الوزراء الصادر سنة 1373ه في المادة السابعة عشرة منه على أن ( يشكل بديوان مجلس الوزراء إدارة عامة باسم ديوان المظالم، ويشرف على هذه الإدارة رئيس يعين بمرسوم ملكي وهو مسئول أمام الملك، وهو المرجع الأعلى له) .
ثم صدر نظام ديوان المظالم بالمرسوم رقم 8759/13/2وتاريخ 1373/9/17ه وقضت المادة الأولى منه على أن (يشكل ديوان مستقل باسم ديوان المظالم ويقوم بإدارة هذا الديوان رئيس من درجة وزير يعين بمرسوم ملكي وهو المسئول أمام جلالة الملك وجلالته المرجع الأعلى له) .
وتوالت التطورات التي تجسد الاهتمام اللامحدود من قيادة هذه البلاد بشأن المظالم وإنصاف المظلومين إلى أن صدر نظام ديوان المظالم الجديد والذي يجري عليه العمل اليوم - بالمرسوم الملكي رقم م/ 51وتاريخ 1402/7/17ه، حيث احتوى على ثلاثة أبواب؛ الأول منها في تشكيل الديوان واختصاصاته، والثاني في نظام أعضاء الديوان، والثالث في أحكام عامة . وبناءً على المادة التاسعة والأربعين من نظام ديوان المظالم فقد صدرت قواعد المرافعات والإجراءات أمام ديوان المظالم بقرار مجلس الوزراء رقم (190) وتاريخ 1409/11/16ه والتي تضمنت عدة أبواب، خُض الباب الأول منها بالدعوى الإدارية وكيفية رفعها، إذ تكون بطلب من المدعي ( الفرد المتظلم ) يقدّمه إلى رئيس ديوان المظالم أو من ينيبه، ويتضمن ذلك الطلب بيانات عن المدعي والمدعى عليه، وموضوع الدعوى، وتاريخ مطالبة الجهة الإدارية بالحق المدعى به إن كان مما تجب المطالبة به قبل رفع الدعوى. ومن المعلوم أن الدعاوى تقام من الأفراد ضد الجهات الحكومية، ولا تقام من الجهات الحكومية ضد الأفراد؛ لأن الأصل أن الجهات الحكومية تستوفي حقوقها تجاه الغير بما لها من سلطةٍ نظامية دون أن تلجأ ابتداءً إلى المطالبة القضائية.
أما الدعاوى المتعلقة بالحقوق المقررة في نظام الخدمة المدنية (كالراتب، والتقاعد، والتي لا تحتاج لصرفها إلى صدور قرار) لموظفي ومستخدمي الحكومة، والأجهزة ذوات الشخصية المعنوية العامة المستقلة أو ورثتهم والمستحقين عنهم؛ فيجب لكي تكون هذه الدعوى مقبولة ومستوفية للشروط شكلاً؛ أن يسبقها مطالبة الجهة الإدارية المختصة خلال خمس سنوات من تاريخ نشوء الحق المدعى به - والذي يكون من حين إبلاغ الإدارة لصاحب الحق بحقه أو علمه به - ما لم يكن ثمّة عذر شرعي يحول دون المطالبة، ويجب على الجهة الإدارية (المتظلّم منها) أن تفصل في تلك المطالبة خلال تسعين يوماً من تاريخ تقديمها. ثم إن صدر قرار تلك الجهة الإدارية برفض المطالبة خلال المدة المحددة، أو مضت هذه المدة دون أن تبت في المطالبة؛ فلا يجوز رفعها إلى ديوان المظالم إلا بعد التظلّم إلى الديوان العام للخدمة المدنية خلال ستين يوماً من تاريخ العلم بالقرار الصادر برفض المطالبة أو انقضاء المدة المحددة دون البت فيه، علماً بأنه يجب أن يكون القرار الصادر من الجهة الإدارية برفض المطالبة مسبباً، كما يجب على الديوان العام للخدمة المدنية أن يبتّ في التظلم خلال ستين يوماً من تاريخ تقديمه.
أما إذا صدر قرار الديوان العام للخدمة المدنية برفض التظلم أو مضت المدة المحددة دون البت فيه؛ فإنه يجوز رفع الدعوى إلى ديوان المظالم خلال تسعين يوماً من تاريخ العلم بالقرار الصادر بالرفض، أو انقضاء الستين يوماً دون البت في التظلم، أو خلال ما تبقى من الخمس سنوات التي ذكرناها آنفاً، أيهما أطول.
ويجب أن يكون القرار الصادر من الديوان العام للخدمة المدنية برفض التظلّم مسبباً، أما إذا صدر القرار بأحقية المدعي فيما يطالب به ولم تقم الجهة الإدارية بتنفيذه خلال ثلاثين يوماً من تاريخ إبلاغه؛ فإنه يجوز أن ترفع الدعوى إلى ديوان المظالم خلال الستين يوماً التالية لهذه المدة، أو خلال ما تبقى من الخمس سنوات المذكورة قريباً، أيهما أطول.
هذه لمحة سريعة فيما يخص الدعوى الإدارية التي يختص ديوان المظالم في الفصل فيها، وما دعاني حقيقة لكتابة هذا المقال ما لمسته من جهل الكثير من أفراد مجتمعنا بحقوقهم في الاعتراض على القرارات الإدارية الصادرة بحقهم من مراجعهم الحكومية، واعتقادهم أن تلك القرارات قد اكتسبت الصفة النهائية، لا يجوز الاعتراض عليها بحالٍ من الأحوال، حتى لو كانت قراراتٍ تعسفية، مبنيةٍ على حججٍ ضعيفة، أو على عصبية مقيتة، أو مزاجية متقلبة، أو جهلٍ بالنظام، وعدم فهم لطرق الإثبات، حيث تصلني رسائل إلكترونية كثيرة من العديد من المتضررين من تلك القرارات، والذين لا يعرفون أدنى الإجراءات القانونية المتخذة أمام تلك القرارات، بل إني تعجبت كثيراً من أحدهم حيث قمت بتوجيهه إلى رفع مظلمته أمام ديوان المظالم؛ فأرسل لي بعدم سماعه بهذه الجهة !! وأين يجدها؟ وهل هي موجودة فعلاً؟؟ولا أدري ما السبب في ذلك؟؟ ..
هل هو لجهل المجتمع بحقوقه النظامية وبالجهات القضائية التي يتم الترافع إليها، وسطحية أفكار بعض أفراده الذين تتعجب حين تجلس إليهم من تفكيرهم واهتماماتهم وجهلهم بأدنى المبادئ القانونية التي تكفل لهم حقوقهم وتبيّن ما عليهم من واجبات، في حين تجده مبدعاً في تتبّع أمورٍ تافهة لا ينبغي للعاقل أن يشغل تفكيره بها ..!!..
أم أن الخلل يكمن في ضعف التوعية والتوجيه من قبل الإعلام المقروء والمسموع والمرئي بحقوق الناس وواجباتهم النظامية وأين يتوجهون في حال الاعتداء على حقوقهم؟؟..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق