الخميس، 14 مايو 2009

الثورة المعلوماتية وإشكالية السلطة والتسلط في الواقع العربي

عند إماطة اللثام عن الواقع العملي المعاش لكل شعوب العالم ، تبرز حقيقة لا يمكن تجافيها أو تجاهلها ، تتمثل في أن الحياة الإنسانية لابد لها من قدر من التنظيم إن أردنا لها أن تحقق شيئاً ذا قيمة ، لا أن تكون مجرد عبث لا معنى له . ولتحقيق ذلك، فإن الأمر يستدعي أو يحتاج إلى سلطة منظمة تخضع لها الجماعة، إذ لا يمكن تصور المجتمع ولاسيما السياسي منه بغير سلطة حاكمة تنظمه، وتضع له القواعد. ومن هنا نشأ ما يسمى بالنظام السياسي الذي يفترض حتماً وجود سلطة تتولى إدارة الجماعة وتسير شؤونها . ( 6 ) انطلاقاً من علم السياسة والذي هو علم السلطة، أي علم دراسة السلطة أياً كانت وفي أي مجتمع .( 7 )
إذا ما عدنا إلى الواقع العربي ، نجد هناك إشكالية ما بين السلطة والتسلط ليس في مجال السياسة فحسب ، بل تكاد تكون موجودة في أغلب نواحي الحياة ، بدءاً من البيت ومروراً بالنظم التعليمية وانتهاء بالمؤسسات السياسية ، ( وهذا لا يشمل جميع الأنظمة السياسية العربية ، فهناك استثناء بكل تأكيد ) . ويمكن أن نرجع ظاهرة التسلط أو السلطوية إلى طبيعة التنشئة الاجتماعية ، وكذلك التنشئة السياسية ، وأيضاً النظم التعليمية السائدة في الوطن العربي ، فكل الأجواء السابقة الذكر يربط بينها قاسم مشترك أعلى يتجسد في جو يسيطر فيه الكبت الفكري الذي يعمل بلا شك على تعطيل طاقات الإبداع والتطوير داخل مختلف مؤسسات المجتمع ، وهذا بدوره يؤدي إلى تكريس ثقافة الخوف والتي بدورها تعمل على تكريس وهيمنة المناخ السلطوي .
كل ما يتقدم ، يعد إشكالية في طبيعة الواقع السياسي في الوطن العربي ، وبالتالي ، فإن عملية التسلط انجرت على تربية الأجيال ولاسيما في الجانب الاجتماعي ، فقد تشكلت عقول ، بل ونفسيات غير قادرة على النقاش والإقناع ، إذ طغت السلطوية على نهجها في التفكير لدرجة وصفها بعضهم بـ (( نهج اغتيال العقول والنفوس )). (8) مما ترتب على ذلك تراجع وتخلف الوطن العربي عن ركب التقدم واللحاق أو الإمساك ولو بأطراف الثورة المعلوماتية التي باتت تجتاح العالم.
علاوة على ذلك ، فإنه عند الغوص أكثر في طبيعة أغلب وليس جميع أنظمة الحكم العربية ، نجد أنها أخفقت بعض الشيء في أن تتبنى أو تضع رؤى وسياسات من شأنها مواجهة التحديات والمشكلات الحادة والمتزامنة التي تعاني منها المجتمعات العربية في الوقت الراهن ، ولاسيما في ظل تزايد الضغوط الداخلية والخارجية التي تتعرض لها هذه النظم من جراء الزيادة السكانية والتي تتركز أساساً في أوساط الشباب وصغار السن ، وتفاقم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية . إزاء كل ما تقدم، هل يمكن للثورة المعلوماتية ومخرجاتها أن تفصل تلك الإشكالية الدائرة ما بين واقع السلطة والتسلط في المجتمع العربي ؟ هنا ، تأتي الإجابة بنعم في حالة مغادرتنا للواقع العربي ، فهذا ما تؤكده خبرات الدول المتقدمة في هذا الشأن ، ولكن نجاح أية دولة في الاستفادة من تقنيات وأساليب هذه الثورة يتوقف على قدرتها على إيجاد المؤسسات والسياسات التي تمكنها من ذلك ، وهو أمر لا تزال معظم الدول العربية متعثرة في تحقيقه . وبلغة أخرى ، ومع أنه من الممكن الاستفادة من التقنيات الحديثة للمعلومات والاتصالات في تفعيل عملية صنع السياسات العامة وتحديد أهدافها وأولوياتها ، فضلاً عن أهميتها في دعم عملية صنع القرار ، وتعزيز قدرات الجهاز الإداري على تنفيذ السياسات العامة ، وذلك من خلال تطبيقات مفهوم " إدارة الجودة الشاملة " ، وكل ذلك وغيره يسهم في توفير بعض المتطلبات الاقتصادية و الاجتماعية للديمقراطية ، ومن بينها : تحقيق معدلات معقولة من التنمية الاقتصادية، ونشر التعليم ، وتحقيق نوع من العدالة الاجتماعية ، وترشيد عملية صنع السياسات العامة والقرارات ... الخ. إلا أن المشكلة تتمثل في أن قدرة النظم العربية على الاستفادة من هذه الثورة في تعزيز أجهزتها ومؤسساتها على

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق